بات من الضروري أن تتعلم هذه الدول من التجارب الناجحة في حفظ السيادة والاستقرار والتنمية. ومن بين هذه التجارب، تبرز تجربة مصر في التعامل مع قضية سيناء، التي كانت محط أنظار العديد من القوى الإقليمية والدولية، والتي شهدت محاولات عديدة لزعزعة أمنها وسلامتها.
فقد كانت سيناء مسرحاً للصراعات والحروب بين مصر وإسرائيل، وشهدت احتلالاً إسرائيلياً لأكثر من عشرين عاماً، قبل أن تستعيد مصر سيادتها عليها بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1979. ولكن هذه الاتفاقية لم تضمن استقرار سيناء، بل فرضت قيوداً على تواجد القوات المصرية في شبه الجزيرة، وأوجدت فراغاً أمنياً استغلته بعض الجماعات المسلحة والإرهابية للانتشار والتحرك في سيناء.
وفي ظل ضعف الأمن والخدمات في سيناء، نشأت بعض التوترات والصراعات بين السكان المحليين من البدو والأجهزة الأمنية المصرية، وكان بعض هؤلاء البدو يستخدمون السلاح للدفاع عن مصالحهم أو للمطالبة بحقوقهم. كما تأثر بعضهم بالفكر المتطرف أو التحالف مع جماعات إرهابية مثل تنظيم القاعدة أو داعش.
ولذلك، اتخذت مصر إجراءات حاسمة لإعادة فرض سلطة الدولة في سيناء، والقضاء على كافة التهديدات المسلحة، وإحلال الأمن والأمان في شبه الجزيرة. فقام جيش مصر بشن عمليات عسكرية واسعة ضد الإرهاب في سيناء، خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011، وانقلاب 3 يوليو 2013، والذي أطاح بحكم جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت تدعم بعض الجماعات المسلحة في سيناء. وقد دفع الجيش المصري ثمناً باهظاً من الشهداء والجرحى في هذه العمليات، لكنه حقق انتصارات كبيرة على الإرهاب، وأعاد الأمن والاستقرار إلى سيناء.
ولم تقتصر جهود مصر على الجانب الأمني فقط، بل شملت أيضاً الجانب التنموي والاجتماعي. فقامت مصر بتنفيذ مشروعات كبرى في سيناء، تهدف إلى تحسين البنية التحتية، وتوفير فرص العمل، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتشجيع الاستثمارات، وتعزيز التنوع الثقافي والديني. كما قامت مصر بالتواصل مع السكان المحليين في سيناء، والاستجابة لمطالبهم المشروعة، وإشراكهم في عملية التنمية والأمن، وحماية حقوقهم وثقافتهم.
وفي هذا السياق، يبرز مثال روسيا كدولة عانت من تحديات أمنية كبيرة بسبب تواجد قوات مسلحة خارج سلطة الدولة. فقد شهدت روسيا مؤخراً تمرد قائد قوات فاغنر، وهي شركة أمن خاصة تابعة لرجل أعمال روسي يدعى يفغيني بريغوجين، والذي يُلقب بـ”طباخ بوتين”. وقد اشتهرت قوات فاغنر بتورطها في عدة صراعات في أوكرانيا وسوريا وليبيا وأفريقيا، بدعم من الحكومة الروسية.
ولكن هذه الشركة أظهرت علامات على التحدي للجيش الروسي والخروج على طاعته، حيث رفض قائدها تنفيذ أوامر من موسكو، وأطلق حملة إعلامية ضد قادة عسكريين روس. وقد أثار هذا الموقف استغراب وانزعاج الكثير من المحللين والساسة في روسيا، لأنه يشكل خطراً على الأمن القومي لروسيا، وقد يؤدي إلى نتائج كارثية، مثل خسارة روسيا لنفوذها في مناطق صراعها، أو اندلاع حرب أهلية في روسيا نفسها.
إذن، يُظهِر مثال روسيا خطورة السماح بظهور قوى مسلحة خارج إطار الدولة، والتخلِّى عن دور المؤسسة العسكرية في حفظ الأمن.